أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تحركات مرتبكة:

دوافع تصاعد نشاط حركة "شباب المجاهدين" الصومالية

23 نوفمبر، 2016


سعت حركة "شباب المجاهدين" الصومالية خلال الفترة الأخيرة إلى تصعيد نشاطها العملياتي عبر القيام ببعض العمليات الإرهابية النوعية، التي لم تستهدف من خلالها قوات الشرطة والجيش فقط، وإنما ركزت أيضًا على بعض مؤسسات الدولة على غرار البرلمان، إلى جانب إحدى القواعد العسكرية التابعة لقوات الاتحاد الأفريقي الموجودة في الصومال "أميصوم" التي تضم جنود كينيين وبورونديين وأوغنديين، والتي تعتبرها الحركة رمزًا للاحتلال الأجنبي للبلاد، بشكل دفعها إلى وضعها على قمة الأهداف التي تسعى الحركة إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضدها.

ومن دون شك، فإن هذا التصعيد الملحوظ في العمليات الإرهابية التي تنفذها الحركة، لا ينفصل عن سعيها إلى توجيه ضربات مضادة لمصالح القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب، خاصة بعد مقتل زعيمها السابق أحمد غودان بواسطة طائرة أمريكية من دون طيار، في سبتمبر 2014. كما أنه لا يبدو بعيدًا عن تصاعد حدة العمليات التي تشنها تلك القوى ضد التنظيمات الإرهابية، في مختلفة أنحاء منطقة الشرق الأوسط، بدءًا من الحرب ضد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، مرورًا بالحرب ضد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وحركة "بوكو حرام" في غرب أفريقيا، وانتهاء بحركة "شباب المجاهدين" في الصومال.

دلالات هامة:

تطرح العمليات الإرهابية المتتالية التي قامت بها حركة "شباب المجاهدين" داخل الأراضي الصومالية خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن كان هناك تراجع ملحوظ في قوة ونشاط الحركة داخليًّا خلال العام الماضي، دلالتين هامتين: ترتبط الأولى، بنوعية العمليات الإرهابية التي نفذتها الحركة مؤخرًا، والتي اعتمدت فيها على المتفجرات بشكل ملحوظ، عبر استخدام السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية.

إذ تسعى الحركة من خلال تبني تلك الآلية إلى زيادة عدد الضحايا، بما يشير إلى أن الحركة تهدف إلى توجيه رسالة للقوى المعنية بالحرب ضدها بأن تصعيد حدة الضغوط الداخلية والإقليمية ضدها سوف يدفعها في المقابل إلى رفع مستوى العمليات التي تقوم بتنفيذها، والتي لم تعد تركز فقط على الأهداف الأمنية، وإنما باتت تمتد أيضًا إلى الأهداف المدنية، من أجل دفع تلك القوى إلى عدم فرض مزيد من الضغوط عليها.

وتتعلق الثانية، بتراجع الأولويات، ففي الوقت الذي تتصاعد فيه عمليات الحركة على الساحة الداخلية، وتحديدًا ضد قوات الجيش والمنشآت الحيوية في البلاد مثل البرلمان والقوات الأفريقية، فإن هناك تراجعًا ملحوظًا في نشاطها الخارجي، حيث لم تقم الحركة بأي عمليات إرهابية خارجية ذات أهمية خلال الأشهر الأخيرة، باستثناء الهجوم الذي استهدف مبنى سكنيًّا في شمال شرق كينيا في 6 أكتوبر 2016، حيث وُجهت اتهامات عديدة للحركة بتنفيذه، إلا أنها لم تعلن مسئوليتها عن ذلك، في حين أنها كانت تضع، خلال الفترة الماضية، تنفيذ عمليات خارجية على قمة أولوياتها، وهو ما يبدو جليًا في الهجوم الذي نفذته على مركز التسوق التجاري "ويستغيت" بالعاصمة نيروبي في سبتمبر 2013، والهجوم على جامعة "غاريسيا" الكينية في أبريل 2015، والذي كان يعتبر خامس أبرز هجوم تنفذه الحركة في كينيا خلال الشهور الثمانية عشر السابقة.

ورغم أن ذلك ربما يشير إلى تزايد اهتمام الحركة بدعم نفوذها على الساحة الداخلية خلال الفترة الحالية، إلا أنه لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون عزوف الحركة عن مواصلة عملياتها الإرهابية في الخارج، وتحديدًا في كينيا، مرتبطًا بتراجع قدراتها في ظل الضربات القوية التي توجهها القوات الأفريقية الموجودة في الصومال، فضلا عن القوات الأمريكية الخاصة التي نجحت في استهداف نحو عشرة قيادات من الحركة من خلال عمليات خاصة أو بواسطة طائرات من دون طيار. 

أهداف متعددة:

وعلى ضوء ذلك، يمكن تحديد أهم أهداف الحركة من التصعيد الأخير، على النحو التالي:

1- استعادة النفوذ والانتشار: تعمل الحركة خلال الفترة الأخيرة على توسيع نفوذها من جديد، لا سيما في منطقة الخط الساحلي التي تمتد من مدينة مومباسا الكينية إلى مقديشيو، وتتميز بموقع استراتيجي مهم، خاصة أنها تضم بعض الموانئ الاستراتيجية المطلة على المحيط الهندي، والقريبة من مضيق باب المندب.

وبالتوازي مع ذلك، سيطرت الحركة، في مارس 2016، على ميناء صغير في ولاية بلاد بنط شبه المستقلة، وذلك بهدف تكوين بؤرة جديدة لها في هذه المنطقة تكون بمثابة "البديل الآمن" بالمناطق الجبلية شمالي البلاد، بهدف تأمين قياداتها من الغارات الجوية التي تلاحقها جنوب ووسط البلاد التي تعتبر مناطق مكشوفة.

2- البحث عن مصادر تمويل جديدة: ربما تتجه الحركة إلى محاولة استخدام المناطق الجديدة التي سيطرت عليها في تنفيذ عمليات قرصنة ضد بعض السفن التجارية التابعة لبعض الدول، خاصة في ظل الضغوط التي تعرضت لها، والتي أدت إلى تقليص مصادر التمويل التي تمكنت من توفيرها خلال الفترة الأخيرة. إلا أن هذا التحرك المحتمل ربما يواجه عقبات عديدة، يتمثل أبرزها في تصاعد اهتمام القوى الدولية والإقليمية بتأمين سفنها التجارية التي تمر عبر تلك المناطق، من خلال وجود عسكري متزايد بالقرب منها، خاصة في جيبوتي.

3- ملء الفراغ: تسعى حركة "شباب المجاهدين" من خلال التصعيد العملياتي الأخير إلى ملء الفراغ الذي يفرضه انسحاب القوات الحكومية والقوات الإثيوبية التابعة لقوات حفظ السلام من بعض المناطق، على غرار مدينة هالغان الاستراتيجية بإقليم هيران الذي يقع وسط الصومال، والتي سيطرت عليها الحركة في أكتوبر 2016، بعد انسحاب تلك القوات منها.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذه هى المرة الثالثة التي تقوم فيها القوات الحكومية والإثيوبية بالانسحاب من بعض المناطق، بشكل هيأ المجال أمام الحركة من أجل نشر عناصرها داخل تلك المناطق، على غرار ما حدث في مدينة موقوكوري وقرية العلي في أكتوبر 2016.

4- تحجيم النفوذ "الداعشي" في الصومال: تبدي حركة "الشباب" قلقًا واضحًا تجاه تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في الصومال، لا سيما بعد إعلان فصيل منشق عن الحركة مكون من حوالي 600 عنصر بقيادة عبدالقادر مؤمن مبايعته لتنظيم "داعش".

ومن هنا، تسعى الحركة إلى رفع مستوى نشاطها العملياتي في الداخل من جديد من أجل الحفاظ على موقعها باعتبارها التنظيم الأكثر نفوذًا في الصومال، لا سيما بعد تصاعد حدة العمليات العسكرية التي تشنها بعض القوى والأطراف المحلية والدولية ضد "داعش" في العراق وسوريا.

لكن ذلك لا ينفي في المقابل، أنه رغم التنافس الواضح بين الحركة والتنظيم، إلا أن ذلك لا ينفي أن القضاء على الأخير بصفة نهائية في إطار العمليات العسكرية التي تتصاعد ضده في الفترة الحالية لا يتوافق مع مصالح الحركة، باعتبار أن ذلك معناه عودة القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب إلى التركيز على استهدافها وتقليص نفوذها وربما القضاء عليها نهائيًا.

وفي النهاية يمكن القول أن هذه العمليات لا تنفي أن الحركة ما زالت غير قادرة على استعادة نفوذها السابق، سواء بسبب استمرار خسائرها البشرية والمادية، في ظل العمليات التي تقوم بها قوات حفظ السلام أو القوات الأمريكية الخاصة ضدها، أو بسبب اتساع نطاق الخلافات الداخلية بين قياداتها، والذي بدا جليًا في انشقاق أحد فصائلها وإعلان مبايعته لتنظيم "داعش"، بشكل يوحي بأن الحركة ربما تواجه اختبارات صعبة خلال المرحلة القادمة، في حالة ما إذا سعت القوى المعنية بتحقيق الاستقرار في الصومال إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضدها من جديد.